حملة إسرائيل ضدّ بارّاك تكرّر تجربة فيليب حبيب؟
بدأ الموفد الرئاسي الأميركي توم بارّاك محادثاته مع كبار المسؤولين اللبنانيّين وهو مثقلٌ بالحدث السوري الذي يتولّى إدارة ملفّه المعقّد أكثر فأكثر. فهل يعزّز ذلك التوقّعات بتراجع الاهتمام الأميركي بلبنان؟ أم يدفع واشنطن لتشديد ضغوطها من أجل سحب سلاح “الحزب”? كيف سينعكس هذا الواقع على مهمّة بارّاك في لبنان؟
صفحات مُتفرّقة: أمريكا وإسرائيل في سوريا
بدا بالنسبة إلى متابعي السياسة الأميركية حيال سوريا، واستطراداً لبنان، أنّ تل أبيب لم تكن تقرأ في صفحة واحدة مع واشنطن في موقعة السويداء. إذ راوحت الدعاية التي اعتمدتها إسرائيل بين ادّعاء “حماية الدروز” وبين الإصرار على ترتيبات أمنيّة على إدارة الرئيس أحمد الشرع السير بها. يقود ذلك مبدئياً إلى ترجيح تقسيم سوريا من باب قيام منطقة عازلة واسعة في الجنوب ودعم استمرار السيطرة الكردية على حزام أمنيّ في شمال بلاد الشام.
أمّا واشنطن فتواصل على لسان توم بارّاك تأكيد وحدة سوريا فيصار إلى إنفاذ اتّفاق وقف النار في السويداء بتبادل المختطفين وإدخال المساعدات إلى المحافظة المنكوبة.
نتنياهو مقابل ترامب: مؤشرات الخلاف
عزّز الانطباع بوجود تباين ما نسبه “أكسيوس” إلى مسؤول في البيت الأبيض من كلام عن أنّ نتنياهو يتصرّف “كالمجنون” بسبب مواصلته قصف غزّة وضربه دمشق. بعض السياسيّين العرب في العاصمة الأميركية يعدّدون مظاهر التمايز بين نتنياهو ودونالد ترامب بناءً على ما يلي:
– إسرائيل لم تكن مرتاحة أصلاً إلى انفتاح ترامب على الرئيس السوري أحمد الشرع. اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، سواء مع الإدارة أو مع الكونغرس، يعتبر أنّ الشرع يمثّل خطراً على إسرائيل لأنّه يتزعّم مجموعات أصولية معادية للدولة العبرية. يروّج هذا اللوبي لمشاريع تقسيم سوريا إلى دويلات.
– تعمل تل أبيب منذ سنوات على مشروع التقسيم مع قوات “قسد” التي يقودها المكوّن الكردي. فقبل اندلاع اشتباكات السويداء سعى بارّاك إلى إقناع قائد “قسد” مظلوم عبدي بتطبيق الاتّفاق الذي وقّعه مع الشرع في آذار الماضي بدمج قوّاته في الجيش السوري الموحّد. لكنّه فشل في تكريس مبدأ وحدة سوريا الذي أكّده بعد اشتباكات السويداء.
بارّاك وتكرار تجربة فيليب حبيب
– تعرّض بارّاك لحملة ضمنيّة من اللوبيَين الإسرائيلي والكردي بسبب إصراره على وحدة سوريا. يشبّه بعض السياسيين العرب بارّاك، اللبنانيّ الأصل، بالموفد الأميركي إلى لبنان، اللبناني الأصل أيضاً، فيليب حبيب عام 1982 إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبلد وكلاهما «زحلاوي». إذ كشفت مذكّرات بعض الدبلوماسيين الأميركيين أنّ حبيب كان كلّما سعى إلى اتّفاقات وقف النار ووقف تقدّم القوّات الإسرائيلية من أجل التفاوض على خروج قوّات منظّمة التحرير الفلسطينية، يخيب أمله بسبب غطاء جهات في الإدارة لجيش مناحيم بيغن وآرييل شارون في حينها، المدعوم من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.
طلب بارّاك الثلاثاء الماضي من الجانب الإسرائيلي وقف قصفه للجيش السوري عند دخوله السويداء، مقابل طلبه أن تحمي قوّات النظام المدنيّين في السويداء. إلّا أنّ نتنياهو أمر بقصف دمشق في اليوم التالي، فأصاب محيط القصر الرئاسي ودمّر جزءاً من مبنى هيئة الأركان العامّة. ويرصد أوساط المتابعين العرب في واشنطن إشارات إلى أنّ اللوبي الإسرائيلي يعمل لتغيير بارّاك.
لبنان الثّانويّ وقراءة «الحزب» المغامِرة
لكنّ الأهمّ مع عودة بارّاك إلى بيروت استدراك أمرين جوهريَّين:
— أوّلاً: التقلّبات التي عاشتها ساحات الصدام في سوريا ونتائجها، سواء كانت أهلية أو إسرائيلية-سورية، قد تكرّس اعتبار واشنطن الساحة اللبنانية ثانويّة قياساً إلى أهمّية إدارة الأزمة في سوريا. وهذا قد يكون بمنزلة ضوء أخضر لإسرائيل في لبنان. وحتّى لو صحّ وجود تباين أميركي إسرائيلي حول سوريا، فإنّ النتيجة الواقعية هي أنّ واشنطن لم تمنع نتنياهو من قصف دمشق. فكيف سيكون الأمر بالنسبة إلى «الحزب» في لبنان الذي تتشاطر إدارة ترامب ونتنياهو العداء له؟
— ثانياً: لدى قوى حليفة لـ»الحزب» اعتقادٌ بأنّ ما جرى في سوريا يُمَكِّنه من تأجيل البحث بجمع سلاحه. أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم كرّر رفضه ذلك قبل يومين من عودة بارّاك. فالقراءة التي ترى الاحتفاظ بورقة السلاح بانتظار التطوّرات السوريّة قد تقود إلى مغامرة جديدة تجرّ إلى كارثة إضافية إلى ما أصاب لبنان في الحرب الإسرائيلية على مدى سنة كاملة. تعتبر أوساط «الحزب» ما حدث في السويداء حجّة إضافية للاحتفاظ بسلاحه.
في المقابل، يعتقد بعض المتابعين السوريين المواكبين لمسار الحكم الجديد في دمشق أنّه لم يكن ممكناً لإسرائيل أن تقصف العاصمة السورية من دون إعلام المسؤولين الأميركيين. سوء الحسابات عند الفريق السوري الحاكم لمدى الدعم الأميركي الذي يتمتّع به أقحمه في صدامات السويداء.
:** وليد شقير - أساس ميديا
عموم روسيا