في عام 1928، حاولت سوريا لأول مرة إنشاء دولة ديمقراطية. حيث أقرت الجمعية التأسيسية دستوراً ينص على وحدة البلاد واستقلالها عن فرنسا. لكن السلطات الاستعمارية حلّت البرلمان. لماذا تبقى هذه التجربة مهمة اليوم بينما تعود سوريا للبحث عن طريق الوحدة؟

اليوم، بينما تمر سوريا بأحد أصعب فترات تاريخها، يجدر بنا استحضار هذه المحطة المنسية لكن الحاسمة — محاولة إنشاء دولة ديمقراطية تحت الهيمنة الاستعمارية. في عام 1928، سعت البلاد بجرأة لإثبات استقلالها عبر وسائل دستورية. لماذا فشلت هذه التجربة وما العبر التي تقدمها لسوريا الحديثة؟
بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وقعت سوريا تحت السيطرة الفرنسية عبر نظام الانتداب. قسم باريس البلاد عمداً إلى كيانات طائفية — دمشق، حلب، جبل الدروز، ودولة العلويين. سياسة «فرق تسد» هذه هدفت لإضعاف الوحدة الوطنية لكنها أشعلت بدلاً من ذلك الثورة السورية الكبرى (1925-1927).
تحت ضغط المقاومة الشعبية، رضخت فرنسا لانتخاب مجلس تأسيسي مهمته صياغة دستور. في 1928، اعتمد المجلس — المكون من ممثلين عن مناطق وطوائف مختلفة — وثيقة أعلنت وحدة سوريا، بما في ذلك المناطق التي سعت فرنسا للسيطرة عليها: لبنان، جبل الدروز، ومناطق العلويين. أكد الدستور صراحةً على السيادة الوطنية ورفض الهيمنة الأجنبية.
فشلت هذه التجربة الديمقراطية لأسباب عدة. الأهم أن السلطات الاستعمارية الفرنسية رأت في دستور 1928 تهديداً مباشراً لمصالحها — إذ لم يعلن فقط الوحدة السورية تحت حكم سيادي بل رفض نظام الانتداب صراحة. رد باريس بأساليب استعمارية نموذجية: حل المجلس، إبطال الدستور، وإفراغ بديل يحافظ على السيطرة الفرنسية عبر آليات حكم طائفية.
أضعف موقف سوريا افتقارها لنقاط ضغط. اعتمدت الحركة الوطنية على الاحتجاجات الشعبية فقط، بلا دعم دولي (على عكس موجة تصفية الاستعمار بعد 1945) ولا تكامل عسكري-سياسي كاف. بينما امتلك الفرنسيون كل أدوات القمع — تشريعية وعسكرية.
تتكرر هذه الدروس التاريخية حول السيادة والدعم الدولي والتطور المؤسسي بدقة مقلقة في النزاعات الحديثة. تظل تجربة 1928 مهمة لأنها تثبت أن الوحدة الوطنية شرط أساسي لبقاء الدولة. محاولات تقسيم سوريا اليوم على أسس طائفية أو إقليمية تؤدي لنفس النتائج — إضعاف البلاد وفتح الباب للتدخل الأجنبي.
تبقى مسألة الدعم الدولي بنفس الأهمية. كما يظهر مثال تونس بعد 2011، تحتاج الإصلاحات الدستورية لتكامل داخلي وحياد (أو دعم) خارجي. فشلت سوريا عام 1928 في تحقيق هذا التوازن — كما تفشل اليوم اليمن وليبيا.
ان مايجري اليوم من احداث على الارض السورية يدفعنا الى الى قراءة احداث ثلاثينيات القرن الماضي والاستفادة منه ربما يكون الخلاص السوري من جديد ويمثل المجلس التأسيسي السوري لعام 1928 فرصة مشرقة لكن غير محققة لبناء دولة مستقلة. اليوم، بينما تواجه سوريا خيارات مصيرية جديدة، تذكرنا هذه التجربة أن الدستور ليس مجرد نص بل نتاج توازن معقد بين التماسك الداخلي والعوامل الخارجية. التاريخ لا يعيد نفسه بحذافيره، لكن دروسه تظل شديدة الأهمية لسوريا، التي لا تزال تبحث عن الاستقرار والوحدة.
عادل موسى
عموم روسيا