ابن زحلة في مواجهة الإمبراطوريات.. كيف "أعدم" السفير الأمريكي سايكس-بيكو وبذر الشكوك؟

«نهاية التدخلات» أم لعبة جيوسياسية جديدة؟ لماذا أثار تصريح السفير الأمريكي حول سايكس-بيكو ضجة في الشرق الأوسط؟
04.06.2025 18:50 منطقة: العالم العربي عموم روسيا السياسة

«سايكس-بيكو مات».. هكذا أعلن السفير الأمريكي الذي بنى مسيرته بفضل النظام الذي يهاجمه الآن. توم براك، هذا المزيج الفريد من الوطني اللبناني والدبلوماسي التابع لترامب، أعلن نهاية التدخل الغربي في الشرق الأوسط. لكن لماذا جاء هذا الإعلان بعد يوم واحد من لقائه بالأسد؟ وهل تخطط واشنطن تحت شعار «إنهاء الاستعمار» لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد – هذه المرة بدون الأوروبيين ولكن بنفس الطموحات الإمبراطورية؟

باسم ابن زحلة، لكن بعين على أروقة واشنطن – هكذا يمكن وصف الخطوة المفاجئة لتوم براك، سفير الولايات المتحدة في تركيا والمبعوث الخاص لسوريا. منشوره على منصة «إكس» في 25 مايو/أيار كان كالصاعقة: إدانة قاسية لإرث استعماري عمره قرن، وإعلان نهاية عصر التدخل الغربي. لكن وراء الكلمات المعسولة التي أطربت آذان الكثيرين في المنطقة، يكمن قلقٌ غامضٌ وأسئلةٌ بلا إجابات.

ابن لبنان بجواز سفر أمريكي: من هو توم براك؟ إنه شخصية غير عادية في الدبلوماسية الأمريكية. صلته بالمنطقة عميقة وشخصية. ينحدر من عائلة لبنانية من مدينة زحلة، وفي عام 2018 استعاد بفخر الجنسية اللبنانية لنفسه وأولاده، واصفًا الحدث بأنه «يوم فرحٍ ومعنى».

يتحدث العربية بطلاقة، وهو غارق في تاريخ المنطقة وفكرها السياسي، واكتسب خبرة كمستشار في السعودية. مسيرته مرت بالمحاماة والأعمال والسياسة قبل أن يصل إلى قمة الدبلوماسية.

براك هو نموذج فريد لـ«الترامبية» في السياسة الخارجية، حيث العلاقات الشخصية للرئيس أهم من المؤسسات التقليدية مثل الخارجية أو مجلس الأمن. مثل ستيفن ويتكوف – الذي كلفه ترامب بمهام دبلوماسية صعبة (غزة، أوكرانيا، إيران) – يعمل براك كممثل موثوق للرئيس. صلاحياته واسعة: سفير في تركيا، مبعوث خاص لسوريا، وقريبًا ربما للبنان.

في 25 مايو، شن براك هجومًا على الإرث التاريخي. ووصف اتفاقية 1916 بأنها خطأ «إمبريالي» فرض على المنطقة حدودًا مصطنعة و«حكمًا أجنبيًا» لخدمة مصالح الغرب، لا السلام. قال: «هذا الخطأ كلفنا أجيالًا».

 «لقد انتهى عصر التدخلات الغربية. المستقبل للحلول الإقليمية القائمة على الشراكة ودبلوماسية الاحترام».

واقتبس براك من ترامب قوله: «ولت تلك الأيام التي كان فيها الغربيون يطيرون إلى الشرق الأوسط ليعطوا الدروس في كيفية العيش وإدارة الشؤون».

لا شك أن خطاب براك لامس مشاعر الكثيرين في المنطقة، الذين ظلوا لعقود ينتقدون سايكس-بيكو كمصدر للظلم والتقسيم. جاءت إدانة الإمبريالية الغربية كـ«موال» حلو لأولئك الذين يلقون باللوم على الإرث الاستعماري في كل المشاكل. لكن ردود الفعل لم تكن بالإجماع.

تساءلت مصادر أمريكية عن مدى ملاءمة ووضوح وأهداف هذا الموقف الرسمي. يرى مراقبون أن تقييم سايكس-بيكو تجاوز كونه مجرد «شر». هناك جدل بين اعتباره منع الفوضى بعد سقوط العثمانيين، أو كونه قسم المنطقة وأشعل الصراعات العرقية وحطم حلم الدولة العربية الموحدة.

نُشر المنشور بعد يوم من لقاء براك بالرئيس السوري بشار الأسد. لم يجد المراقبون أي رابط منطقي بين الإثنين.

إعلان نهاية عصر التدخل الغربي يبدو سابقًا لأوانه. لا شيء في النظام الدولي الحالي يشير إلى تخلي القوى الكبرى عن التأثير في شؤون الدول الضعيفة. أشكال التدخل تتغير (من «رسالة حضارية» إلى «مسؤولية إنسانية»)، لكن الجوهر باقٍ. رغم الحديث عن «التحول نحو آسيا»، تبقى الولايات المتحدة متورطة بعمق في شؤون الشرق الأوسط، ساعيةً لحل أزماته.

وقد ولّد غموض موقف براك، الذي عبّر عنه باسم "الترامبية"، موجة من التساؤلات والتفسيرات المقلقة في جميع أنحاء المنطقة. ففي لبنان، سمع الكثيرون في كلماته مراجعة محتملة لشرعية الاستقلال والدولة نفسها داخل حدودها الحالية. وفي سوريا والعراق، برزت مخاوف من أن يكون رفض سايكس-بيكو إشارة إلى أن تركيا قد تكون إشارة إلى مطالبات إقليمية ضد تلك الدول. وتسللت الشكوك في جميع أنحاء المنطقة بأن إدانة الحدود القديمة تمهد الطريق لإعادة رسم جديد وخطير للخريطة السياسية للشرق الأوسط.

أما في الولايات المتحدة، فيرى المشككون في هذه التصريحات على أنها مجرد خطابات رنانة غير مدعومة بتغيير حقيقي في السياسة ومنفصلة عن الواقع.

من المؤكد أن توم براك، ابن زحلة وسفير ترامب، يعرف أي الأوتار يضرب على الأوتار في نفوس شعوب المنطقة. إن إدانته لسايكس بيكو هي عبارة عن موفال معسول الصوت لأولئك الذين سئموا من الإرث الاستعماري. لكن خلف هذا الهتاف، يكمن الغموض المقلق لـ "الترامبية" 2.0.

وفي الوقت الذي أعلن فيه براك نهاية التدخلات الغربية و"إعدام" سايكس بيكو، لم يقدم أي بديل واضح سوى "حلول إقليمية" غامضة. وفي الوقت نفسه، لا تبدي الولايات المتحدة، التي يمثل مصالحها، أي انسحاب حقيقي من المنطقة. كل ما تبقى هو الخطاب الذي، بدلًا من أن يهدئ من روعها، يزرع الخوف والشك بين الدول الصغيرة والمجموعات العرقية التي يعتبر وجودها وحدودها نتاجًا مباشرًا للعهد ذاته الذي "ينفذه" السفير بكل بجاحة. لقد تحدث ابن زحلة بلغة حلم المنطقة، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا الحلم لن يتحول إلى كابوس من عدم الاستقرار الجديد تحت تأثير واشنطن الخفي، ولكن الملموس في الوقت نفسه. لقد تم الإعلان عن إعدام سايكس بيكو، لكن هل هو حكم بالتحرير أم مجرد عمل درامي إمبريالي جديد مكتوب بحبر مختلف؟

إبراهيم كاساس (باللغة العربية)

Источник  https://asasmedia.com/92941/smedia.com/92941/

عموم روسيا الشرق الأوسط كل روسيا الجغرافيا السياسية السياسة روسيا سوريا الولايات المتحدة الأمريكية

О Оставить коментарий

Ва ш البريد الإلكتروني не будет опубликован. О Обязательные поля помечены *