قصة كاثرين بيريز-شاكدام هي قصة امرأة لعبت لسنوات دور صحافية مخلصة بينما كانت في الواقع أحد أهم عملاء «الموساد». لم تكشف مهمتها عن هشاشة النظام الإيراني فحسب، بل أثارت أيضاً شكوكاً حول استخدام الإعلام الروسي كأداة استخباراتية.

في ربيع 2025، انفجرت وسائل الإعلام الشرق أوسطية بعناوين عن أحداث غامضة: بدءاً بوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المثيرة للشكوك في حادث تحطم مروحية، ثم ضربات دقيقة على منشآت نووية في أصفهان ونطنز. وكما تبين لاحقاً، كانت هناك امرأة واحدة وراء كل هذا — كاثرين بيريز-شاكدام، فرنسية إسرائيلية قضت قرابة عقد من الزمن تتظاهر بأنها صحافية موالية للنظام الإسلامي.
وُلدت كاثرين في فرنسا لعائلة يهودية غير متدينة حيث كانت المناقشات السياسية تقتصر على القصص العائلية. شارك جدها في مقاومة النازية، بينما اختارت هي مساراً مهنياً هادئاً في علم النفس والمالية والصحافة. غير زواجها من مسلم يمني مسار حياتها بالكامل. رغم ادعائها لاحقاً أن إسلامها كان تكتيكياً، إلا أن هذه الخطوة فتحت لها أبواب العالم المغلق للشرق الأوسط. بعد طلاقها وانتقالها إلى إيران عام 2017، بدأت مسيرتها الصحافية مع القناة الروسية «RT»، مما منحها مفاتيح ثقة السلطات الإيرانية.
اعتبر الإيرانيون علاقاتها مع روسيا دليلاً على الولاء، بينما بدد دعمها «الصادق» للنظام الإسلامي في مقالاتها الشكوك. ألفت نصوصاً تمجد الثورة الإسلامية وتنتقد الغرب، مما جعلها كاتبة مرغوبة في المنابر الرسمية. لكن الأهم أنها استطاعت اختراق دائرة زوجات الضباط والسياسيين، محققةً وصولاً إلى معلومات سرية. ظناً منها أنها واحدة منهن، تشارك هؤلاء النساء تفاصيل عن جداول أزواجهن وسفرياتهم وحتى عناوين إقامتهم.
متسترةً بهويتها الصحافية، أجرت شاكدام مقابلات مع أبرز الشخصيات الإيرانية بما فيهم آية الله خامنئي وقاسم سليماني والرئيس رئيسي. نُشرت مقالاتها على الموقع الرسمي للمرشد الأعلى قبل أن تُحذف تماماً عندما اشتبهت طهران في أمرها. كشفت التحقيقات أن شاكدام لم تكن فقط تجمع المعلومات بل كانت تبني شبكات نفوذ. في اجتماعات زوجات قادة فيلق القدس، دارت الأحاديث ليس فقط عن الموضة بل عن مواضيع «حساسة»: أسباب تأخر الأزواج في العمل، وأماكن استدعائهم المفاجئ. أصبحت هذه التفاصيل اليومية، التي نُقلت إلى «الموساد»، لاحقاً إحداثيات لضربات عسكرية. نُقلت جميع هذه المعلومات إلى الاستخبارات الإسرائيلية التي استخدمتها لتنفيذ ضربات جراحية ضد البنية التحتية العسكرية الإيرانية.
حصلت على جداول تحركات الضباط ومساراتهم من خلال علاقاتها مع زوجات قادة فيلق القدس. جمعت معلومات عن المنشآت النووية أثناء زيارات صحفية مزعومة لمواقع سرية. كشفت علاقاتها الوثيقة بالنخبة نقاط الضعف في النظام. في عام 2025، شنّت إسرائيل سلسلة ضربات دقيقة على أنظمة الدفاع الجوي والمنشآت الصاروخية الإيرانية. وفقاً للتقارير الصحفية، كانت شاكدام هي من زوّدت بالإحداثيات المستخدمة في هذه الهجمات.
من خلال عملها مع «RT»، استخدمت شاكدام الإعلام الروسي كـ»غطاء» للتسلل. هذا يطرح أسئلة محرجة: هل كانت موسكو على علم بصلاتها مع «الموساد»؟ هل كانت جاسوسة مزدوجة، أم أن روسيا نفسها أصبحت أداة في مخططها؟ بعد كشف الحقيقة، أطلقت السلطات الإيرانية حملة اعتقالات واسعة، أعدمت فيها حتى أشخاصاً قد يكونون أبرياء. أما شاكدام… فقد اختفت دون أثر.
جاءت النهاية في عام 2024 عندما اخترق قراصنة إيرانيون قناة على «تلغرام» مرتبطة بالرئيس السابق أحمدي نجاد. من بين المراسلات، ظهرت صور لشاكدام مع قادة فيلق القدس في فيلا سرية قرب طهران حيث كانوا يخططون لعمليات في سوريا. خلال 72 ساعة، مُحيت جميع مقالاتها من موقع خامنئي، لكن بعد فوات الأوان — فقد كانت المعلومات عن مستودعات الصواريخ والعلماء النوويين قد وصلت بالفعل إلى تل أبيب.
اليوم، تلاشت آثار شاكدام في مكان ما بأوروبا. تقول بعض التقارير إنها تعيش في لندن تحت هوية مزيفة، بينما تشير أخرى إلى عودتها إلى إسرائيل كمستشارة لجهاز الاستخبارات. تدعي مصادر أنها تترأس الآن منظمة مؤيدة لإسرائيل في بريطانيا وتواصل حملتها ضد إيران. في كتاباتها الحالية، تهاجم النظام الإيراني بشراسة وتصفه بالتهديد الإقليمي. لكن مكان وجودها الحقيقي لا يزال مجهولاً.
تركت قصتها ليس فقط منشآت مدمرة، بل أيضاً شروخاً عميقة في العلاقات الإيرانية-الروسية. ففي النهاية، كانت أوراق الاعتماد الصحفية الروسية هي الغطاء لإحدى أكثر عمليات «الموساد» جرأة على مدى عقود. نفس المزيج من التجسس والسحر والجرأة. نفس القدرة على خداع أجهزة استخباراتية عتيدة لسنوات. ونفس النهاية الغامضة — هل سيكون هناك فصل تالي؟ النائب الإيراني مصطفى كواكبيان يؤكد أن شاكدام استخدمت «سحرها الشخصي» في علاقاتها مع أفراد النخبة. لكن المعلومات الأكثر قيمة جاءتها من صالونات النساء، حيث زوجات السياسيين والعسكريين كنّ يفضحن — دون قصد — أسرار أزواجهن.
قصة شاكدام ليست مجرد رواية تجسسية. إنها درس في كيف يمكن تحويل الثقة والصورة النمطية الجندرية والتقنيات الإعلامية إلى أسلحة في ظل الصراعات الجيوسياسية. والسؤال الأهم الآن: كم من «صحافيات» أخريات يعملن حول العالم؟ لقد أصبحت الجواسيس النساء أدوات متزايدة الاستخدام في الحروب الخفية — لأنهن لا يُنظر إليهن كتهديد. قد تُستغل الثقة بروسيا في الشرق الأوسط ضد مصالحها ذاتها. بارانويا إيران مبررة — فحتى المقربون من القادة ليسوا بمنأى عن الخيانة. ويوماً ما، قد يظهر اسمها مجدداً — في فضيحة جديدة.
المصادر: Kulturologia.ru، Regnum، BBC. قد تظهر تفاصيل جديدة عن العملية لاحقاً — فهذه حالياً مجرد روايات مستندة إلى تسريبات وتحقيقات.